لم نفرغ بعدُ -ويظهر أننا لن نفرغ في وقت قريب— من مشكلة العامية والفصحى وما يتصل بها من هذه الواقعية التي يعتذر بها أصحابها عن الكسل والقصور؛ الكسل الذي يَحُول دون القراءة والتفقُّه وإتقان أداة التعبير والتصوير والأخذ بأسباب الأدب الرفيع؛ فلم نكد ندعو كُتَّابنا من الشباب إلى أن يعرفوا لأنفسهم حقها في الجد والأناة والبحث والدرس والاستقصاء والإتقان، والارتفاع إلى ما يليق بهم وبوطنهم، وبما ينبغي له من أدب رفيع ممتاز منزَّه عن الابتذال مبرَّأ من هذا السخف الكثير الذي يشيع فيه؛ حتى ثار ثائرهم وأخذتهم العزة بالإثم فجحدوا كل حق وأنكروا كل عارفة، وتلقونا وتلقوا غيرنا من الذين لم يعرضوا لهم ولم يفكروا فيهم بما استطاعوا من ألوان المساءة وضروب الأذى، وقال قائلهم: إننا قد انحرفنا عن المصرية وجهلنا حق وطننا علينا والتمسنا أدبنا في بطون الكتب وأعماق العصور التي انقضى عهدها، والتي لا تمس المصرية الحديثة من قُرب أو بُعد. طه حسين