ما أجمل هوميروس!
لقد اختلف المؤرخون فيه اختلافًا شديدًا، لكنَّ اختلافَهم فيه لا قيمةَ له ما دامت الإلياذة والأوديسة، وما دُمنا لا نجد بدًّا من أن نعترف لهما بمؤلف استطاع أن يُسجِّل شخصيته فيهما معًا، وأن يطبعهما بطابعه الخاصِّ فلِمَ لا يكون هذا المؤلِّف هوميروس؟ وإن لم يكن هو مؤلِّفهما فماذا يضير الأدبُ إذا سمَّينا هذا المؤلِّف هوميروس؟ وهؤلاء المؤرخون الذين ينكرونه بغير حجة ولا برهان إلا أنهم يستكثرون على عقلٍ بشريٍّ واحد هذا الإنتاجَ الضخم والمحصول الكبير الذي يكوِّن أدب أمة، والذي نَهِل منه شعراؤها وشعراءُ الأمم الأخرى في كلِّ زمان ومكان، ولا يزالون ينهلون. هؤلاء المُنكرون لهوميروس لِمَ لا يصدِّقون هيرودوتس الذي هو أبو التاريخ والذي ذُكر أن بينه وبين هوميروس أربعمائة سنة؟!
ألَا يكون التواترُ صحيحًا في أربعة قرون ويكون صحيحًا في عشَراتها؟ إن تاريخ هيرودوتس هو أصدق ما وصلَنا من التاريخ القديم، وقد ذكَر لنا هوميروس وذكَر ملحمتَيه، بل حدَّد يومَ وفاته، وقد سمع المنشدين في كل فجٍّ من اليونان يُردِّدون بالتواتر أغاريدَه من الإلياذة ومن الأوديسة ومن غير الإلياذة والأوديسة.