ليس من السهل مقاربة إشكالية الصوت في حد ذاته مقاربة فلسفيّة جماليّة تأخذ بعين الاعتبار فنياته المعقدة ومجالات تمظهره المختلفة، لكن مؤلفه الذي نهل من علم الموسيقى وفنّ المسرح وتخرج من شعبة علم الاجتماع وحصل على الماجستير في الفلسفة تكونت له قدرة ذكية لمقاربة الصّوت مقاربة تنوّعيّة بداية من الرنّة المفردة وصولا إلى التّنغيم والتّلوين الصّوتيّ مرورا بالصّخب والجوهري والطنين وغيرها من التمثّلات الصوتية العديدة. في هذا الكتاب ركز المؤلف على الجانب الجماليّ للصوت في المجالين الأساسيين حيث يبلغ الصوت أقصى إمكاناته الإستطيقيّة ونعني الموسيقى والدين هما أصلاً من تعابير التّآنس والعيش المشترك في بعده الجمالي. لذلك لم يقتصر البحث الذي أجراه المؤلف على الحضور اللّحني للصّوت ولا على النغميّ باعتباره جماليّة يضفيها الصوت على النّصوص وعلى اللّغة والكلام، بل يذهب إلى ما يتيحه التّنغيم والتلحين من تجاوز المعاني العاديّة المحمولة في اللّغة نحو المتعالي في الموسيقى مثلا أو نحو المقدس في الدين وبذلك ينفتح الصوت على الخياليّ في بعده الأبديّ. فالصوت كما يرى الكاتب لم يكن دائما وسيلة للمعنى ولا آليّة من آليات التّواصل فقط، فهو بالأساس ذلك المعنى الذي سيأتي في نقاوته وصفائه محدثا للإيقاع أحيانا وللتشويش أحيانا أخرى ولكنّه يتفاعل مع الجسد والطبيعة، وهو مع ذلك حراك متواصل فيه يتجسّد المعنى في الكلام والغناء والصّياح وفي غيرها من الظّواهر الصوتيّة وفي حدّها الأقصى الصّمت من حيث هو غياب الصّوت.