يسلك محمد كرد علي في كتابنا هذا منحًى ذا شُعَبٍ ثلاث: فهو يُورِد ثم يردّ ثم يُثبت ويُبَيّن. فيُورِد فيه نقد الناقدين، وتَحَامُل غالب المستشرقين، وزيف الشعوبيين، فيرد على هذا قوله وعلى ذاك قوله، ويبيّن خطله وسوء نظره ووضوح ابتساره، ويناقش غالب مسائلهم ويفصّلها بقدر الاستطاعة، فيترك لك في النهاية إحقاق الحقّ أيًّا كان، ومهما كانت اليد التي حازَتْه.وإذ ينتهي من هذا يبدأ بالبيان، فيتناول تاريخ العرب من ما قبل الإسلام ثم في أثنائه، فيتكلم على بعض عاداتهم وتجارتهم وثروتهم وعلومهم ومناحي حياتهم، ويناقش عربيِّتَهم ومميِّزاتها وأثرها في اللغات شرقيةً وغربية، ولمزيد بيانٍ يقابل بين حال بلاد العرب وحال بلاد الإفرنج في بعض العصور، ويعرض لما تركه الأولون في بلاد الأخيرين وما بثّوه في بلادهم من آثار نهوض في مختلف المناحي، كما في صقلية والأندلس وتخوم فرنسا، ثم يجيء على شيء من الحروب الصليبية، ثم على غارات المغول والأتراك وتخريبهم، وغارات المستعمرين على بلاد العرب، ويترك هذا لينشغل بمذاهب الإسلام وفِرَقه وعلومه، فيدرس إدارته بترتيب تاريخي، ثم سياسته، ويختم بمقابلة السياسة بين الشرق والغرب وينقد سياسة الأتراك آنذاك.