يضم هذا الكتاب مجموع من المقالات التي استمر سلامة موسى في كتابتها بالصفحة الافتتاحية لإحدى المجلات الأسبوعية على مدار سبع سنوات، حيث توخى فيها مخاطبة الشباب، وإرشادهم إلى ما سماه الحقائق الحضارية والمعاني الثقافية. وقد رأى موسى أن إقامته في أوروبا نحو خمس سنوات أتاحت له عمق التأمل والتدبر في أسباب رفعة وتقدم الأوروبييين في كثير من مجالات الحياة الأدبية والعلمية، إلا أننا إذا نظرنا إلى حقيقة الرؤية التي يصبر من خلالها المؤلف تقدم الحضارة الغربية، سنجد أنها رؤية داروينية اجتماعية، تؤمن بالتطور الخطي للتاريخ، وتفترض وجود طريق واحدي حتمي للتقدم. مقطع من إحدى المقالات بعنوان كيف وماذا نقرأ ؟: " الناس رجلان: أحدهما يحتال للانتفاع من وقته، كأنّه يجعل من الساعة ساعتين، والآخر يحتال لإضاعة وقته بحيث يحيل الساعة إلى نصفها أو إلى العدم، وهناك وسائل عديدة عند هذا الفريق الأخير لقتل الوقت وتضييع الفرص وتقصير العمر، حتى لتشعر من إتقانهم معرفة هذه الطرق أنّهم يندمون على أنّهم قد ولدوا في هذا العالم، ويمكنك أن تحيل النظرات في القهوات وتدرس بعض الألعاب حتى تتأكد أنها كلها تمارس هربًا من ً الحياة وسآمة من الدنيا وندما على الوجود. لسنا بسبيل الكلام مع هؤلاء وإنما نريد أن نتحدث إلى الفريق الأول الذي يحتال للانتفاع من وقته، والذي لا يندم على وجوده في هذا العالم، فمن ضروب الانتفاع بالوقت واكتساب القوة بإثارة الذهن نجد القراءة في االمكان الأول، وقد كانت القراءة من وسائل الرقي في الأزمنة الماضية ولكنها كانت من الوسائل الثمينة التي لا ينالها إلا المبالغون في الجد وأبناء الأثرياء، أما الآن فهي ميسرة للجميع لا يتكلف طالبها سوى أقل المال أو لا يتكلف شيئًا مطلقًا. "