"البؤساء" على تباين مقاماتهم وعقولهم يختلفون باختلاف الأطوار والأعمال؛ فمنهم من تلاحظه العناية فيُخلق سعيدًا مرزوقًا من المهد إلى اللحد، ولكنه مصاب بعلة من العلل التي تعترض البؤساء أصبح من أجلها بائسًا، مهما كانت درجته وسمو مركزه وعلمه وحظه.
ومنهم من يُرزق الحظ والغنى، ولكنه في حاجة إلى غرض يجد نفسه في شدة الشوق إلى الحصول عليه، وكل ميوله متحولة إليه، وإن لم ينله أصبح منغصًا. فإذا اعتبرناه بائسًا فما ذلك إلا لأنه يطمح لأمنية، والفرصة غير سانحة له، ونقدِّر ميول نفسه لهذه الأمنية بقدر درجة بؤسه وتعاسته، مهما كان غنيًّا ومهما كان سعيدًا.
ومنهم من يكون سعيدًا بغناه، يعطي ويتصدق وهو في أمن ودعة ورخاء عيش، يهب ويمنح إلا أنه بعد زمن تزول عنه هذه النعمة فيصبح فقيرًا بائسًا.
ومنهم من يُخلق سعيدًا؛ كأن يكون ابن ملك أو أمير يتمتع بجميع أسباب الغنى والسعادة واليسار، ويتولى المُلك بعد أبيه، إلا أنه مصاب بمرض يلازمه من وقت إلى آخر؛ فيقضي على أسباب سعده .
ومنهم من يسعد تارةً ويفتقر أخرى، وهذا أيضًا من البؤساء.