لم نعلم أحدًا من العلماء والفلاسفة قبل ابن خلدون أفرد بالتأليف في علم طبيعة العمران وما يسمى اليوم بعلم الإجتماع، برغم أن هذا العلم لم يكن من الأسرار الخفية ولا من المباحث التي لا تجول فيها أفكار الحكماء. وقد ثبت أن الفلاسفة قبل ابن خلدون لحظوا هذا العلم وأشاروا إليه في تضاعيف مباحثهم، ولكنهم لم يبلغوا فيه شيئًا من الإحاطة التي بلغها ابن خلدون، ولا استقصوا فيه ذلك الاستقصاء الذي جعله في هذا الموضوع نسيج وحده، حتى ألقي إليه فيه بمقاليد الرئاسة، فهو واضع علم الإجتماع بالإجماع، وهو الذي لم يدع منه غُفلًا غير معلم، ولا وشيًا غير منمنم.