يزرع هذا الكتاب مجموعة من القيم والصفات الحميدة والنّبيلة التي تدفع الإنسان إلى الارتقاء والسّمو بمعنى الإنسانية، فهو يحث على الصّدق، والعطاء، والصّداقة. وتغلب على الكتاب النزعة الرُّوحانيّة والتي تسمو بالنَّفس لإدراكِ الأسرار وسَبْر الأغوار. وقد استحضر الكاتب بعض المعاني التي ذكرها سابقًا في كتابه «البدائع والطرائف»؛ فهو مثلًا يُعيد استحضار صورة الشيطان كأنه القوى الخفيّة التي تسعى إلى تجريد النفس من إرادتها التي تُمكِّنها من اكتساب الفضائل، وتكبح جماح الأهواء التي تُفْضِي بها إلى اكتساب الرذائل. وتكرار المعاني دليل على صوفية الوجدان ودائريّة الفكر؛ فالذّات الجبرانيّة تتّخذ دائمًا من النّفس منبعًا للوحي مهما اختلفت الأفكار والموضوعات. اقتباس من الكتاب: كان هنالك عرس في قصر الأمير في إحدى اللّيالي وكان المدعوون يدخلون ويخرجون فدخل رجل مع الداخلين وحيّى الأمير باحترام ووقار، فنظر الجميع إليه بدهشة لأن إحدى عينيه كانت مفقودة والدم ينزف من نقرتها الفارغة فسأله الأمير قائلًا: «ماذا دهاك يا صاح؟». فأجابه الرجل قائلًا: «أنا لص أيها الأمير وقد اغتنمت فرصة في ظلمة هذه الليلة على جاري عادتي، وذهبت لأسرق أموال أحد الصيارفة، وفيما أنا أتسلق الجدار لأدخل دكان الصيرفي؛ ضللت سبيلي ودخلت من نافذة جاره الحائك، فعدوت طالبًا الهرب وأنا لا أبصر شيئًا فلطم نول الحائك عيني وفقرها، ولذلك أتيتك الآن ملتمسًا أن تنصفني من الحائك».. فأرسل الأمير واستدعى الحائك، فأُحضر الحائك في الحال فأمر الأمير أن تقلع عينه، فقال له الحائك: «بالصواب حكمت أيها الأمير، فإن العدالة تقتضي بقلع عيني، ولكنه غير خاف على سموك أنني أحتاج في حرفتي إلى عينين لكي أرى حاشيتي الشقة التي أنسجها، غير أن لي جارًا إسكافيًا له عينان مثلي، ولكنه لا يحتاج في مهنته إلا إلى عين واحدى، فاستدعه إن أردت واقلع احدى عينه للمحافظة على الشريعة، فأرسل الأمير في الحال واستدعى الإسكافي فحضر واقتلعت عينيه، وهكذا تأيدت العدالة!