إن القارىء المتأمل لهذه المختارات يمكنه أن يتلمس سمات الفن القصصي لكل كاتب ممن ضمت المختارات عملا قصصيا له، كما أنه يجد فيها تمثيلا لنماذج قصصية عديدة تؤرخ لتطور فن القصة القصيرة من سلمى لاجيرلوف وحتى آليس مونرو، ومن هذه النماذج:
نموذج القصة الحبكة القائمة على الحدث، فكل القصص القصيرة قبل ظهور تشيخوف كان قائمة على حبكة محورها الحدث، فالحبكة كانت الأكثر أهمية ثم يأتي السرد كلاسيكيا ليكون وفق بداية ووسطية ونهاية. وما فعله تشيكوف من ثورة حقيقية في عالم القصة القصيرة ليس تجاهل الحبكة وإنما جعل حبكات كل القصص مشابهة لحبكة الحياة اليومية من حيث الغموض والفوضى والعشوائية والفظاظة والقسوة والخلو من المعنى.
نموذج القصة الأكثر حداثة، وتعبر عن التطور الذي أحدثه أرنست هيمنجواي. حيث يكمن الغموض وتبدو أفاق الصعوبة. فهيمنجواي قدم أسلوبا جديدا في كتابة القصة من حيث الغموض المترافق مع أسلوب مقتضب في السرد دون خوف من تكرار الصفات.
ونموذج القصة المبهمة، فبينما كان هيمنجواي يقرّب الفكرة إلى القارئ ثم يبعدها فورا حتى يحافظ على الغموض، تأتي القصة هنا في نموذج جديد مبهم حيث يتحمل القارئ مسؤولية فك لغز القصة والمعنى الخفي الذي تعكسه دون أن يساهم القاص بتقريب الفكرة لقارئه.