إذا كان مَبلَغ البلاغة أن تُعبِّر عن أجَلِّ المعاني بأفصح العبارات وأجملها، وكانت الرسائل أبلغَ رُسلِ الكلمة؛ تُوصلها إلى مُتلقِّيها بسرعةٍ وحميمية، فتَبلغ منه العقلَ والقلب، فما بالُك إن أرسَل الرسائلَ البلغاءُ أنفسهم! بعينِ أديبٍ ذوَّاقة مُتوقِّد الذهن، يَجمع «محمد كرد علي» مجموعةً شديدةَ التفرُّد من «رسائل البلغاء» التي يَدور معظمها في فَلك المُكاتَبات بين الصاحب وصاحبه، والأخ وأخيه، صدَّرها بدُرر «ابن المُقفع»؛ «الأدب الصغير» و«اليتيمة» وغيرهما، وضمَّنها «رسائل الحكمة» التي صاغها «عبد الحميد الكاتب»، و«الرسالة العذراء في موازين البلاغة وأدوات الكتابة» ﻟ «أبي اليسر المدبر»، و«ملقى السبيل» ﻟ «أبي العلاء المعري»، ورسالة «ابن القارح» إليه التي تُعَد مفتاحًا لفَهم «رسالة الغفران»، كما أضاف «مسائل الانتقاد» ﻟ «ابن شرف القيرواني»، و«كتاب الأدب والمروءة» ﻟ «صالح بن جناح الربعي»، وغيرها من رسائل بُلَغاء العرب الأفذاذ.