هناك معارك خاسرة نخوضها ونُهزم فيها بقسوة لا تحتملها مكانتنا، ولا ظروفنا، ولكننا نخوضها من جديد. كلما فتحت لنا الهاوية شرفتها!" بهذه العتبة النصية يستدرج إبراهيم نصر الله القارئ إلى متن "شرفة الهاوية" ويمنحه مفاتيح الاستكشاف، لاستغوار مجاهيلها، وإضاءة مناطقها المعتمة عبر مجرّة من الطروحات الفكرية والثقافية التي سوف تفجرها عناصر النص أثناء فعل القراءة.
هي رواية عن طبقات النفس الإنسانية مثلما هي عن طبقات بناء السلطة العربية، وقدرتها الفائقة على تغيير ظاهرها، دون أن يتغير في مضمونها شيء يُذكر.
وزير متنفّذ، وأستاذ جامعي، ومحامية، شخصيات ثلاث منقسمة، في واقع منقسم، تتحرك في مدى زمني يمتد عشرين عاماً ما قبل الثورات العربية، حتى لحظة الانفجار الكبير. حيث المتنفّذُ لا يتقن شيئاً مثلما يتقن انتهاك الأوطان، والأستاذ الجامعي لا يتقن شيئاً مثلما يتقن التحرّش بطالباته، والمحامية لا تتقن شيئاً مثلما تتقن افتقادها لتحقيق العدالة لنفسها! وفي خلفية الصورة، يبدو الهامش البشري، تحت الحصار، وحده القادر على مقاومة ذلك كله بمكر المغلوبين!
(شرفة الهاوية) رواية مفعمة بالحوارات العميقة، وبالمفارقات التي تذهب بعيداً في تفاصيل البنية الاجتماعية السياسية الاقتصادية السائدة، معرِّية القشرة الخارجية البراقة لشخصيات هشّة، رغم ما تدعيه من سطوة، وشريحة اجتماعية تعيش على النهب والسرقة والفساد. وهي رواية المساحة المفتوحة لنماذج تتساقط للأعلى! ورواية المقايضة التي تستعيد (فاوست) وصفقته مع الشيطان بطريقة أكثر بؤساً، في زمن تمّ فيه تسليع كل شيء، وتحويل، حتى الذكريات الجميلة والأحلام، إلى سلعة تباع لإرواء ظمأ الكوابيس، وزمن تنتهك فيه الأوطان كما ينتهك البشر.
ويبقى سؤال الرواية محوّماً بعد الانتهاء من قراءتها: هل ستكون قدرة الأنظمة العربية على التأقلم وتجديد نفسها في زمن التحوّلات الذي بدأته منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، هي قدرتها المتقنة نفسها ما بعد زمن الثورات؟!
يقدم إبراهيم نصر الله رواية متعددة الأصوات، مركّبة فنياً بطريقة تدعو القارئ للمساهمة في إعادة بناء النص، ربما، كجزء من محاولة للمضي أبعد، تتمثل في إعادة بناء الحياة!